التقنية الحديثة للعلاج بالتنويم:
يستخدم المعالج بالتنويم عدة وسائل في علاجه، والتي منها على سبيل المثال سؤال المريض بأن يركز نظره على شيء ما أمامه، وأن يسترخي تدريجياً حتى يصل إلى مرحلة يكون فيها غير واعٍ لما يدور حوله بدرجة كافية. ويشترط للعلاج بالتنويم أن يكون المريض متفاعلاً ومستعداً للتعاون مع المعالج، ورغم ذلك فإن هناك 5 - 10% من الناس لا يمكن تنويمهم مهما بلغت مهارة المعالج ودرجة تعاون المريض معه، في حين تختلف درجة القابلية للإيحاء عند 90% الآخرين. كما أنه يمكن أيضاً للمريض نفسه بعد فترة من التدريب أن يقوم بتنويم نفسه.
وتختلف طرق التنويم بحسب الغاية التي من أجلها يُنوّم الإنسان أو الوسيط. فقد يكون المنوم مشعوذاً أو طبيباً أو باحثاً أو هاوياً، فيكون الهدف أحياناً هو خداع الناس أو تسليتهم أو يكون طبيباً بحيث يستخدم التنويم لعلاج بعض الحالات النفسية وقد يكون الهدف إجراء بعض التجارب والبحوث أو يكون مجرد هواية لمحاولة استشفاف الغيب. ومها يكن الهدف من التنويم فإنه يجب أن يتم في مكان هادئ ونور خافت، بعيداً عن اللون الأحمر والألوان الزاهية البرّاقة، كما يجب أن يستلقي الوسيط على مقعد وثير بطريقة مريحة، وأن يحل ربطة العنق والأحزمة الضاغطة وينزع الأحذية الضيقة، ثم يجب أن يعرف الوسيط الهدف من النوم، وأن لا خطر من التنويم المغناطيسي على النائم، كما يطلب منه عدم المقاومة وأن يكون إيجابياً خلال مراحل النوم، ثم يبدأ المنوِّم بالإيحاء النفسي، معتمداً في ذلك على استغلال بعض الأشياء التي تحدث طبيعياً في جسد الإنسان ونوضح ذلك على النحو التالي:
في البداية يطلب المنوِّم من الوسيط أن يجلس ويداه مفتوحتان على ركبتيه، بحيث يكون باطن الكف إلى أعلى، فيوهمه بأن أصابعه سوف تنقبض بأثير قوة التيار المغناطيسي الذي يوجهه المنوِّم، وبعد لحظات يشعر الوسيط بأن أصابعه فعلاً تبدأ بالانقباض، وهذا الشعور طبيعي لأن أي إنسان إذا ما أرخى عضلات يده فإنه سوف يجد أن أصابعه تنقبض تلقائياً، فإذا أحس الوسيط أن أصابعه قد بدأت تنقبض، توهّم أن هذا الانقباض نتج فعلاً بتأثير من المنوِّم، ثم بعد ذلك يوهمه المنوِّم بأن يديه كما انقبضت بفعل التأثير المغناطيسي سوف تنقلب تلقائياً بحيث يصبح باطن اليد إلى أسفل بعد أن كان إلى أعلى، وفعلاً بعد أن تنقبض الأصابع تدور اليد كما أشار المنوِّم، وهذا أيضاً أمر طبيعي، ويمكن لأي إنسان أن يجرب ذلك بنفسه، فإذا شعر هذا الوسيط والذي غالباً ما يكون إنساناً بسيطاً أو مثقفاً طيب القلب يصدق كل ما يقال له، فإن ينقاد انقياداً أعمى إلى المنوِّم فتزداد ثقته به وبكلامه وبطاقته المغناطيسية، وبعدها يتحول المنوِّم بالإيحاء إلى عيون الوسيط بعد أن يضع أمامه كرة صغيرة لامعة ويطلب منه أن يحدق فيها ولا يلتفت لسواها، فيوحي إليه بأن أجفانه سوف تصبح ثقيلة وتأخذ بالانغلاق رويداً رويداً، وأن محاولة فتحها أصبح أمراً صعباً، وأن عليه الاستسلام وإغلاقها كي لا يتعب، والحيلة الكامنة هنا هو أن المنوِّم يضع الكرة اللامعة على مسافة قريبة جداً من عيني الوسيط وفوق مستوى النظر، وهذه الوضعية يتوخاها المنوِّم لهدفين، الهدف الأول: هو جعل عضلات عدسة العين الشعرية (Ciliary Bodies) تعمل بكامل طاقتها وقدرتها لتركيز الصورة على شبكة العين (Retina) وهذا يؤدي لشعور العين بالتعب، كما أن وضع الكرة اللامعة فوق مستوى العين يجبر عضلات الجفن الأعلى على الانقباض بصورة أشد من الحالة العادية وهذا ما يجعلها تتعب، أما الهدف الثاني: فيكمن في بريق الكرة إذ إن التحديق في جسم لامع يخفف من نشاط وحيوية الإنسان ويعزله عما يدور حوله من أمور. فإذا تعبت العين وقل النشاط والحيوية وأخذ يشعر بلحظات انسلاخ من المحيط الموجود فيه، ازدادت ثقته وقناعته بكلام المنوِّم إلى حد كبير بحيث لا يعود يشك في أية كلمة يسمعها منه. فإذا وصل المنوِّم إلى هذا الحد، أوحى إليه بأن الأصوات حوله بدأت تخف وأن لا صوت يسمع سوى صوت المنوِّم وبأن شعوراً جارفاً بالنوم بدأ ينتابه ولا فائدة من مقاومته وأن عليه الاستسلام لأن النوم فيه راحة له ثم يقول له بعدها بان أنفاسه قد أصبحت طويلة وبأن جسده أصبح خفيفاً جداً وهكذا يستمر المنوِّم بالإيحاء عن طريق استغلال أشياء حقيقة تحصل في جسد النائم حتى تحصل الحالة التي نسميها النوم المغناطيسي.
وحينما يكون المريض تحت تأثير التنويم سواءً بمساعدة عقار مثل أميتال الصوديوم أو بدون استخدام العقاقير فإن المعالج يتركه يتحدث كيف يشاء، ثم يستخدم ذلك في العلاج لاحقاً.
وتتصف الحالة التي تنتاب المريض أثناء العلاج بالتنويم بالتغيرات التالية:
1- انعدام روح المبادرة وانتظار المريض لأوامر معالجه.
2- انعدام الاستجابة للمؤثرات الخارجية سوى ما يوجهه إليه المعالج.
3- ازدياد القابلية للإيحاء.
4- ضعف ارتباط المريض بالواقع من حوله.
5- شعور المريض ببعض التخيلات الغريبة كشعوره بأنه موجود في زمان ومكان غير الزمان والمكان الذَين يحياهما.
6- نسيان المريض لما حدث أثناء جلسة العلاج في بعض الأحيان خصوصاً عند ذوي الشخصيات القابلة للإيحاء بشكل كبير عندما يأمرهم المعالج بذلك.
ولعل بعض طلبة العلم يتحرج فيما يتعلق بحكم مثل هذه الطريقة العلاجية، حيث إن المسلم مأمور بتجنب كل ما يؤثر على وعيه وإدراكه إلا ما دعت إليه الضرورة كالبنج في العمليات الجراحية حتى لا يشعر المريض بالألم.
وفي الحقيقة أن الألم النفسي الذي يعاني منه المرضى النفسيون لا يقل في بعض الأحيان عن الألم العضوي بل قد يفوقه.
ورغم عدم انتشار هذا اللون من العلاج في العصر الحديث بشكل كبير، إلا أنه مازال يستخدم في بعض المراكز العلاجية، وفي نظري أنه يمكن الاستفادة من هذا اللون من العلاج في مجتمعاتنا الإسلامية وتسخير ذلك أيضاً في تقوية الجانب الروحي والنفسي معاً لدى المريض.
ومما يجدر ذكره أن بعض المراجع الغربية تعتبر بعض الشعائر التعبدية عند المسلمين هي نوع من العلاج بالتنويم، وذلك لأن المسلم يتجه بمشاعره أثناء العبادة باتجاه واحد فيقلل ذلك من تأثير المثيرات الخارجية الأخرى عليه.
ورغم الإيمان بصحة تفسير أولئك العلماء بأن المسلم يتجه بمشاعره باتجاه واحد – هذا إذا كان خاشعاً – إلا أن الاستنتاج الذي بَنَوه على ذلك وهو أن ذلك نوع من العلاج بالتنويم إنما جاء بسبب فراغ أرواح كثير من أولئك العلماء من حقيقة الإيمان بالله وعدم تذوقهم للذة الطاعة وارتباط الدين في حس الكثير منهم بالوهم والخيالات، وإلا فالواقع يشهد بغير ذلك. كما أنه ربما يكون قصد بعضهم تجريد الدين من أي أثر علاجي فعّال بسبب آثاره الروحية، وربط الناس بالآثار والقوى النفسية، وجعل الدين مجرد وسيلة نفسية يمكن الاستغناء عنه بغيره.
استخدامات العلاج بالتنويم:
يسعى المعالج بالتنويم إلى إظهار بعض الذكريات من اللاوعي لدى المريض أو أن ييسر له البوح ببعض أفكاره وانفعالاته المزعجة أو غير المقبولة التي لا يستطيع الحديث عنها صراحة في حالته الطبيعية. ورغم أن العلاج بالتنويم قد أخذ في الانحسار تدريجياً مع تطور وسائل العلاج النفسية الأخرى في العصر الحديث إلا أنه قد حقق في السابق درجات مختلفة من النجاح في علاج مجموعة من الأمراض مثل:
1- السمنة.
2- إدمان الكحول والمخدرات والنيكوتين.
3- تم استخدامه في التخدير قبل العمليات الجراحية في القرن الماضي، لكنه نظراً لاكتشاف عقاقير التخدير فإنه لم يعد يستخدم في الوقت الحاضر.
4- الآلام المزمنة.
5- الربو.
6- الثآليل.
7- الحكة.
8- حبسة الكلام.
وليس من المناسب استخدام هذه التقنية العلاجية لعلاج ذوي الشخصيات الوسواسية، وكذلك الشخصيات الشكاكة المرتابة نظراً لانعدام ثقتهم بمن حولهم بمن فيهم المعالج نفسه.
وبشكل عام فهذا النوع من العلاج نادر الاستخدام نظراً لاختلاف الآراء حوله ووجود تقنيات علاجية جديدة متميزة إضافة إلى أن ممارسته تستغرق وقتاً طويلاً.
وينسب بعض الناس بغير علم بعض أنواع السحر إلى التنويم المغناطيسي بوصفها ضرباً من ضروبه. ولعل هذا يفسر لنا فتاوى بعض علماء الشريعة الإسلامية في التنويم المغناطيسي التي تقوم أساساً على الفم الخاطئ لدى السائل الذي يعتقد بأن المنوِّم يستعين بالجن للكلام على لسان المنوَّم مما يجعل الفقيه يفتي بحرمة ذلك، لأنه التجاء إلى غير الله واستعانة بالجن. وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية السؤال التالي:
ما حكم الإسلام في التنويم المغناطيسي، وبه تقوى قدرة المنوِّم على الإيحاء على المنوَّم وبالتالي السيطرة عليه، وجعله يترك محرماً أو يشفى من مرض عصبي أو يقوم بالعمل الذي يطلبه المنوِّم؟
فكان الجواب: التنويم المغناطيسي ضرب من ضروب الكهانة باستخدام جنّي حتى يسلطه المنوِّم على المنوَّم فيتكلم بلسانه ويكسبه قوة على بعض الأعمال بالسيطرة عليه إن صدق مع المنوِّم وكان طوعاً له مقابل ما يتقرب به المنوِّم إليه، ويجعل ذلك الجني المنوَّم طوع إرادة المنوِّم بما يطلبه من الأعمال أو الإخبار بمساعدة الجني له إن صدق ذلك الجني مع المنوِّم. وعلى ذلك يكون استغلال التنويم المغناطيسي واتخاذه طريقاً أو وسيلة للدلالة على مكان سرقة أو ضالة أو علاج مريض أو القيام بأي عمل آخر بواسطة المنوِّم غير جائز، بل هو شرك لما تقدم ولأنه التجاء إلى غير الله فيما هو من وراء الأسباب العادية التي جعلها الله سبحانه إلى المخلوقات وأباحها لهم.